مفهوم الملكية الفكرية وطرق حماية حقوق الملكية الفكرية
أصبح ظهور وتطور أي شركة أو مجال عمل مقترناً بشكل كبير بمفهوم الملكية الفكرية، حيث بات ضرورة استدعته الحاجة لحماية المنتجات الإبداعية الخاصة التي يتم العمل عليها سواء من قبل شركة أو مجموعة أفراد أو حتى شخص بمفرده، ومن هنا نجد أهمية التعرف على هذا المفهوم بكل جوانبه وفهم قوانينه وحقوقه وإمكانيات استخدام تلك القوانين والحقوق على مختلف الأصعدة، لذا سنتعرف في هذا المقال على الملكية الفكرية بخصائصها المختلفة.
يشير مصطلح الملكية الفكرية intellectual-property بشكل عام إلى حق كل إنسان بامتلاك حرية التصرف لفترة محددة بأي إنجاز فكري أو نتاج عقلي قدمه، على سبيل المثال الكتب والأعمال الفنية والرسومات والعلامات التجارية والإنجازات العلمية والتقنية والاكتشافات والابتكارات وغيرها الكثير، حيث ستكون هذه الإنجازات متبلورة غالباً بشكل منتجات تجارية أو أنها قابلة للتداول بين الناس بطريقة ما، وهنا قد يقع تعدي من قبل بعض الأشخاص على تلك المنتجات ومحاولة استغلالها والاستفادة منها أو تقليدها، فتظهر ضرورة إنشاء طرق تنظم استخدام الناس لتلك المنتجات والأعمال وتضمن عدم انتهاك حقوق مالكيها، وهذا ما يعبر عنه بمفهوم الملكية الفكرية. [1]
يختلف نوع الملكية الفكرية بحسب المجال الذي تم خلق ابتكار جديد فيه سواء أكان علمي أم أدبي وفني أم تجاري أم غير ذلك، ومن أكثر الأنواع شهرة وتدولاً نذكر ما يلي: [2،3]
- حقوق الطبع والنشر: أو ما يعرف بحقوق المؤلف، ويقصد بها توفير الحماية القانونية لمجموعة معينة من الأعمال الفكرية والإبداعية المجردة، وتشمل عدة مجالات منها ما هو مقروء كالكتب والمقالات والمحاضرات والروايات والمسرحيات، ومنها ما هو مسموع كالمقطوعات الموسيقية والأغاني والتسجيلات الصوتية، بالإضافة للأعمال المسموعة والمرئية كالبرامج التلفزيونية والأفلام ومقاطع الفيديو المختلفة، فأي يعمل يصنف مع هذه الأعمال تحفظه الملكية الفكرية ذات قابلية النشر المحصورة بيد الأشخاص القائمين على إنشائها، ولا يتم الاقتباس منها أو إعادة نشرها إلا بأذن قانوني منهم.
- براءة الاختراع: حق ملكية قانوني يمنح من قبل الدولة أو الحكومة لمخترع قدم إنجاز غير مسبوق أبداً، بحيث يُحمى اختراعه من الاستخدام أو الصناعة أو البيع من الآخرين، وذلك مقابل إعلان المخترع لتفاصيل وأسرار هذا الاختراع الذي قام به بعد مدة محددة من الزمن، تختلف تفاصيل قوانين براءة الاختراع من بلد لآخر ويكون لها عدة أنواع وفترات زمنية مختلفة تمنح لكل نوع، ومنها براءة الاختراع النباتية، والنفعية، والتصميمية.
- العلامات التجارية: العلامة التجارية هي كل إشارة تعبر بشكل معروف وخاص عن هوية جهة تجارية معينة تميزها عن غيرها من الجهات المماثلة، حيث يمكن أن تكون صورة أو شعار أو رمز أو عبارات قصيرة أو تصميم شكلي معين أو مزيج منها، والصفة المميزة لهذا النوع من الملكية الفكرية أنها غير محدودة كالأنواع السابقة، فهي قائمة طالما أن الجهة التجارية قائمة وتستخدم تلك العلامة.
- التصاميم والشعارات: ويقصد بها التصميمات الزخرفية لسلعة أو منتج ما، يمكن أن تعبر عنه تصميمات هندسية ثلاثة الأبعاد أو رسومات وألوان معينة، وحقوق حماية الملكية لهذا النوع تؤمن منع تقليد استخدام هذا التصميم لسلعة أخرى أو إجراء تصميم مشابه له.
- الأسرار التجارية: وهي الميزة الخاصة لكل منتج تجاري معروف، بحيث تكون سرية ولا يعرفها إلا عدد من الأشخاص المختصين بصناعة هذا المنتج، وهذه الأسرار قد تكون أدوات خاصة أو طرق تصنيع مميزة أو عمليات تصنيع أو وصفات خاصة أو غير ذلك، ولا تحظى هذه الأسرار بنفس مقدار الحماية القانونية التي تتمتع به الأنواع السابقة، فهي تحتاج لحماية وحرص شديدين من قبل المسؤولين عنها.
- الانتماء الجغرافي: وهي علامات تستخدم على المنتجات المختلفة لنسبها إلى منشأ جغرافي محدد، حيث ترجع صفات جودة المنتج وأصله ومكان تصنيعه ومعايير سمعته إلى منطقة جغرافية بعينها دون غيرها كمدينة أو بلد ما، ومن أشهر الأمثلة لهذا النوع المنتجات الزراعية حيث يكون لبعض المحاصيل النباتية جودة معينة عندما تنتمي لموطن زراعتها الأصلي، وزرعها في أي مكان آخر لن يقدم نفس معايير الجودة.
- غير ملموسة: لأنها تعبر حصراً عن ما ينتجه فكر الإنسان من إبداع وإنجازات مهمة جديدة لم تكن موجودة من قبل.
- محدودة زمنياً: أغلب أنواع الملكية الفكرية تسمح بحقوق ملكية لفترة معينة من الزمن تحدد بحسب نوع الملكية المعطى، فمثلاً تستمر حقوق المؤلف أو حقوق الطبع والنشر مدة 70 سنة بعد وفاة صاحب العمل، أما براءة الاختراع فمتنح مدة 14 أو 20 عاماً وذلك بحسب نوع البراءة الممنوحة، وأطول مدة تمنحها حقوق الملكية هي ملكية العلامة التجارية حيث تستمر مع استمرار الجهة التجارية التي ابتكرتها.
- إقليمية: وهذه الخاصية تعتبر من عيوب الملكية الفكرية حيث غالباً ما تطبق قوانينها ضمن نطاق بلد أو إقليم معين، ويصعب حمايتها خارج نطاق هذا الإقليم، وأصبحت اليوم تقام اتفاقيات عدة بين البلدان بغرض توسيع نطاق قوانين حماية الملكية الفكرية بشتى أنواعها.
- حقوق حصرية للمالك: حيث تحصر حرية التصرف بالعمل من قبل صاحبه ومالكه دون أن ينوب أحد عنه، إلا في حال قرر هو ذلك.
- معقدة: فلا تزال القدرة على نشرها وفرض الالتزام بقوانينها أمر معقد بعض الشيء، بالإضافة لصعوبة وضع معايير واضحة بشكل كافي لكيفية اعتبار بعض الأعمال منتهكة لحقوق الملكية الفكرية أم لا.
ويقصد بها الحقوق التي يأخذها صاحب العمل أو الإنجاز الفكري الجديد، والتي يستطيع على أساسها معرفة كيف يمكن له التصرف بذلك العمل وكيف يستطيع حمايته، ومن تلك الحقوق:
- النشر: يحق لكل مؤلف قام بإنجاز عمل مكتوب أو مقروء أو مسموع أن يحتكر نشره في المكان والزمان الذين يريدهما دون تدخل أي جهة أو شخص آخر، من أمثلتها الأكثر شهرة مؤخراً حق نشر مقاطع الفيديو أو الألعاب الإلكترونية على مواقع الانترنت ومنع سرقتها ونشرها من قبل مواقع أخرى.
- حق النسب: والذي يعني حق المؤلف أو المبتكر بوضع اسمه على المنتج الذي قام بتصنيعه ونسبه له بشكل دائم.
- التعديل: يحق بشكل حصري لمالك العمل الفكري التعديل عليه في أي وقت أو حذفه مثلاً.
- الترخيص: يمكن لبعض الجهات التي تصدر منتجات تستخدم في عدد من البلدان والتي ترغب في توسع نطاق شركاتها أن تمنح ترخيص بصنع منتجاتها لشركات أخرى تقع خارج نطاق البلد الأصلي الذي تعمل فيه، وذلك بشروط معينة وبرقابة من الشركة الأصلية، من أمثلتها شركات الأدوية وشركات المواد التجميلية وغيرها.
- منع الاستخدام: قوانين الملكية الفكرية تمنع استخدام الأعمال والمنتجات الخاصة بجهات معينة من قبل جهات أخرى بأغراض تجارية أو صناعية دون إذن صاحب الملكية على تلك المنتجات.
- بيع حقوق الملكية: يمكن لمالك حقوق الملكية الفكرية التنازل عنها أو بيعها لجهة ما عندما يكون غير راغب في استثمارها أو لا يملك القدرة على ذلك.
- حق معاقبة المنتهكين: تتيح القوانين المتعلقة بحماية حقوق الملكية الفكرية لمالكها بمقاضاة كل من حاول انتهاك تلك الحقوق وفرض عقوبة عليه.
تختلف القوانين التي تتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية من بلد لآخر، ولكن يمكن أن تجتمع تلك القوانين في بعض الإجراءات المتعلقة بحالات التعدي وانتهاك حقوق الملكية، والتي تتجلى بواحدة أو أكثر من العقوبات التالية[4]:
- تعويض: حيث يمكن أن يتسبب انتهاك حقوق الملكية بأضرار عدة لأصحاب الملكية الأساسية، وبالتالي يمكن المطالبة بدفع تعويض عن الخسائر الحاصلة للجهة الأصلية.
- دفع غرامة: قد يغرم أيضاً الشخص المنتهك بمبلغ مالي نتيجة مخالفته للقوانين والأنظمة، وربما يلزم بدفع أجور محامي الجهة الأخرى الذي تولى هذه القضية.
- وقف الانتهاك: وإلغاء أي عمل قام على أساس الحقوق المسروقة أو التي تم انتهاكها.
- السجن: يمكن أن يعاقب الشخص الذي تعدى على حقوق الملكية في بعض الحالات بالسجن مدة عدة أشهر أو أكثر، وذلك بحسب نوع المخالفة الحاصلة بحق صاحب حقوق الملكية.
يجب على كل شخص الحرص على فهم الطرق الصحيحة التي يستطيع من خلالها حماية ملكيته الفكرية ومعرفة بعض الخطوات التي تساعده على ذلك: [5]
- تجنب الشراكة في الملكية: قد يكون العمل المنتج عبارة عن جهد تعاوني بين عدة أشخاص، بالتالي تمنح هنا حقوق الملكية بشكل مشترك لكل الأفراد المساهمين بهذا العمل، وكل فرد منهم يستطيع استغلال هذه الحقوق والتصرف بها دون الرجوع لشركائه في العمل، وهذا ما يعيق حماية ملكيته الفكرية وزيادة إمكانية استغلالها وضياعها.
- وضع سجل قانوني: عند وصولك لإنجاز أو عمل جديدين غير مسبوق، يجب السعي بشكل فوري لتسجيل هذا الإنجاز بشكل قانوني والحصول على إثباتات امتلاكك لهذا الإنجاز وحقوقك الكاملة بالتصرف فيه.
- اتخاذ التدابير الأمنية: المتضمنة تخزين المعلومات بشكل حريص وسري والمراقبة الدائمة لكل مراكز العمل وأماكن التخزين منعاً من حصول عمليات السرقة داخل مراكز العمل.
- المتابعة: يجب دوماً متابعة كل المستجدات التي تحدث في مجال عملك الذي تملك فيه حقوق ملكية فكرية لمنتجاتك، مما يمكنك من ملاحقة أي عمليات تقليد أو سرقة للمعلومات والمعايير الخاصة بأعمالك بشكل سريع وفعال.
- الاستعانة بالقانون: عند ملاحظة أي انتهاك حاصل لحقوق الملكية الفكرية الخاصة بأعمالك وإنجازاتك يجب فوراً اللجوء للقوانين التي تنص على حماية تلك الحقوق، والتي سيتم بموجبها اتخاذ التدابير القانونية الملائمة التي تضمن لك إنهاء الانتهاك الحاصل وكل عمل قد قام على أساسه.
- الحرص على السرية في العمل: عند حاجتك لتشكيل فريق يساعدك في إنجاز العمل الخاص بك، يجب الحرص على اتخاذ تدابير خاصة معهم تضمن لك حفاظهم على سرية المهام التي يعملون عليها، كإنشاء عقود مع الموظفين متضمنة في صيغتها الحق في عقاب أي موظف يفشي سر من أسرار العمل، أو توزيع مهام متفرقة تكون غير مفهومة بشكل كامل من قبلهم وإنما يتم فقط توكيلهم بإنجاز مهام روتينية غير متعلقة بأسرار العمل.
أصبحت قوانين الملكية الفكرية ذات أهمية واضحة مؤخراً وإن المحاولات لتوسيع نطاق العمل بها أمر تسعى من أجله العديد من الاتفاقيات الدولية، وذلك لما لها من أهداف هامة من عدة نواحي منها: [6]
- الحماية من السرقة أو التزوير: الهدف الأول من قوانين الملكية الفكرية ضمان حق كل انسان بنسب ابتكاره لنفسه بشكل كامل دون إتاحة الفرصة لتدخل أشخاص آخرين واستخدام هذا الابتكار بأي شكل من الأشكال أو حتى التعديل عليه.
- تشجيع الإبداع الفكري: حيث تمنع قوانين حماية الملكية الفكرية عمليات التقليد والتكرار للأفكار والأعمال المنجزة سابقاً، وتشجع على الابتكار وخلق كل ما هو جديد وله نفع وأثر إيجابي يمكن استثماره لإنجاز تطور في مختلف العلوم والمجالات.
- تشجيع الصناعات المحلية: من خلال خلق جو تنافسي بين القائمين على الصناعات المحلية بمختلف أنواعها، وتشجيعهم بشكل دائم على تطوير الخطط والعمليات المبتكرة التي تسهم في رفع جودة منتجهم الصناعي وتمييزه عن المنتجات الأخرى من دون سرقة أفكار أو تقليد.
- الازدهار الاقتصادي: لقد كان لقوانين حماية الملكية الفكرية دور واضح في تطور الاقتصادات الوطنية لعدد من البلدان، وهي تعتبر بمثابة البنية التحتية غير المملوسة لكل بلد، فبمقدار ما تملك الدولة من معارف وابتكارات فكرية فريدة، بمقدار ما تستطيع خلق إنجازات وثروات تدعم عالم الأعمال والعلوم في شتى المجالات.
- حماية المستهلك من استخدام منتجات مقلّدة: لولا وجود قوانين حقوق الملكية الفكرية لوجدنا الكثير من المنتجات التي تدعي استعمالها لنفس معايير الجودة للمنتج الأصلي أو أنها حاصلة على ترخيص لتصنيعه، وهذا سيؤذي المستهلك من عدة نواحي قد تكون صحية أو مالية أو غيرها.
- تسهيل نشر المنتجات والأعمال الفكرية المختلفة: ساعدت قوانين حماية الملكية الفكرية على تشجيع نشر العديد من المنتجات الفكرية والإبداعية في مختلف أنحاء العالم، وذلك بفضل ضمان عدم استغلال هذا المنتج من قبل جهات وأشخاص بشكل غير أخلاقي وغير قانوني.